فصل: ذِكْرُ تَمْثِيلِ الْمُهَجِّرِينَ إِلَى الْجُمُعَةِ بِالْمُهْدِينَ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ السَّابِقَ بِالتَّهْجِيرِ أَفْضَلُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.ذِكْرُ الْمُغْتَسِلِ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ غُسْلًا وَاحِدًا:

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الْمُغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ غُسْلًا وَاحِدًا يُجْزِيهِ. وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٍ، وَمَكْحُولٍ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَرْجُو أَنْ يُجْزِيَهُ.
1778- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ غُسْلًا وَاحِدًا. وَرُوِّينَا أَنَّ بَعْضَ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مُغْتَسِلًا، فَقَالَ: لِلْجُمُعَةِ اغْتَسَلْتَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لِلْجَنَابَةِ. قَالَ: فَأَعِدْ غُسْلًا لِلْجُمُعَةِ.

.ذِكْرُ الِاغْتِسَالِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْجُمُعَةِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يَغْتَسِلُ بَعْدَ الْفَجْرِ لِلْجُمُعَةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْزِيهِ مِنْ غُسْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. كَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُجْزِيهِ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ نَهَارِهِ وَهُوَ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْغُسْلَ لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَغْتَسِلَ لِرَوَاحِهِ.
وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُحْدِثَ غُسْلًا يُصَلِّي بِهِ الْجُمُعَةَ.

.ذِكْرُ الْمُغْتَسِلِ لِلْجُمُعَةِ يُحْدِثُ بَعْدَ اغْتِسَالِهِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَغْتَسِلُ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ يُحْدِثُ، فَاسْتَحَبَّتْ طَائِفَةٌ أَنْ يُعِيدَ الِاغْتِسَالَ لَهُ. وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يُعِيدُ الْغُسْلَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ الْغُسْلِ عَادَ إِلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْزِيهِ الْوُضُوءُ. كَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُجْزِيهِ الْوُضُوءُ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». وَقَدْ أَتَى مَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ بِالْغُسْلِ.

.ذِكْرُ الِاغْتِسَالِ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي اغْتِسَالِ الْمُسَافِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلٌ. هَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَعَلْقَمَةُ لَا يَغْتَسِلَانِ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
1779- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَغْتَسِلُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا. رُوِّينَا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أَنَّهُ اغْتَسَلَ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
1780- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَمَرَنِي فَسَتَرْتُهُ فَاغْتَسَلَ، وَقَالَ: اسْتُرْنِي مِنْ نَحْوِ الْقِبْلَةِ. قَالَ: ثُمَّ سَتَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَانَ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ.
وَكَانَ أَبُو ثَوْرٍ يَقُولُ: وَلَا يَجِبُ تَرْكُ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ الِاغْتِسَالُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِالِاغْتِسَالِ مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يَأْتِيهَا.

.ذِكْرُ اغْتِسَالِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ:

وَاخْتَلَفُوا فِي اغْتِسَالِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ إِذَا حَضَرُوا الصَّلَاةَ، فَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: مَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ مِنَ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فَلْيَغْتَسِلْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَغَيْرِ الْمُحْتَلِمِينَ: إِنْ شَهِدُوا الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُمْ، وَلْيَغْتَسِلُوا كَمَا يُفْعَلُ بِهِمْ إِذَا شَهِدُوهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ظَاهِرُ قَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ». يَدُلُّ عَلَى أَََّن الْأَمْرَ بِالِاغْتِسَالِ لِمَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ، فَلَا مَعْنَى لِاغْتِسَالِ مَنْ لَا يَأْتِي الْجُمُعَةَ مِنَ الْمُسَافِرِينَ وَسَائِرِ مَنْ رُخِّصَ لَهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ إِتْيَانِ الْجُمُعَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ لِلْيَوْمِ أَتَى أَوْ لَمْ يَأْتِهَا، وَقَوْلُ مَنْ أَمَرَ الْمُسَافِرَ بِالِاغْتِسَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُوَافِقُ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَوْلُهُ: وَاجِبٌ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِذَا احْتَمَلَ قَوْلُهُ: وَاجِبٌ وُجُوبَ فَرْضٍ، وَاحْتَمَلَ وُجُوبَ تَطَوُّعٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزِمَ أَحَدًا فَرْضًا إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَالدَّلَائِلُ مَوْجُودَةٌ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ الِاغْتِسَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

.أَبْوَابُ الطِّيبِ وَالسِّوَاكِ وَاللِّبْسِ يَوْمَ الْجُمُعَة:

.الْأَمْرُ بِالتَّطَيُّبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا كَانَ وَاجِدًا لَهُ:

1781- حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ، يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَهُ».

.ذِكْرُ فَضِيلَةِ الطِّيبِ وَالسِّوَاكِ وَالْإِنْصَاتِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَلُبْسِ أَحْسَنِ مَا يَجِدُ الْمَرْءُ مِنَ الثِّيَابِ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَتَرْكِ تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ.

1782- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَاكَ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يُصَلِّيَ، كَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا». قَالَ: يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ اللهَ جَعَلَ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَدْحُ مَنْ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَبْتَدِئَ فِي الْخُطْبَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا يَعْنِي مَنْ أَنْصَتَ عَلَى تَكْلِيمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مَكْرُوهٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
1783- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاسْتَاكَ، وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، وَتَطَيَّبَ بِطِيبٍ، ثُمَّ جَاءَ لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ وَصَلَّى مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَذَلِكَ لَهُ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَصَلَّى مَا شَاءَ اللهُ إِبَاحَةٌ أَنْ يُصَلِّي الْمَرْءُ مَا شَاءَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ.

.ذِكْرُ لُبْسِ الْحُلَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ:

1784- أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أنا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أنا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوُفُودِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ».

.ذِكْرُ تَمْثِيلِ الْمُهَجِّرِينَ إِلَى الْجُمُعَةِ بِالْمُهْدِينَ وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ السَّابِقَ بِالتَّهْجِيرِ أَفْضَلُ:

1785- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَغَرُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوَا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ، وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَالَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ». وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وَقْتِ الرَّوَاحِ إِلَى الْجُمُعَةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْخُرُوجُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْغُدُوُّ إِلَى الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ.
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: كُلَّمَا قَدَّمَ التَّبْكِيرَ كَانَ أَفْضَلَ؛ لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ بِأَنَّ مَنْ زَادَ فِي التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ كَانَ أَفْضَلَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ قَوْلَ مَالِكٍ: لَا يَنْبَغِي التَّهْجِيرُ إِلَى الْجُمُعَةِ بَاكِرًا، فَقَالَ: هَذَا خِلَافُ حَدِيثِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَكُونُ الرَّوَاحُ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَهَذِهِ السَّاعَاتُ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَاحَ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ فِي الرَّابِعَةِ، هِيَ كُلُّهَا فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: تَرَوَّحْتُ عِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ أَوْ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ مُسَافِرًا، فَاخْرُجْ مَا لَمْ يَحِنِ الرَّوَاحُ.
1786- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَخَرَجْتُ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ مُسَافِرًا، فَاخْرُجْ مَا لَمْ يَحِنِ الرَّوَاحُ. وَاحْتَجَّ آخَرُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ: غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَرَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَ: فَالْغَدْوَةُ بِالْغَدَاةِ، وَالرَّوَاحُ بَعْدَ الزَّوَالِ.

.ذِكْرُ الْأَمْرِ بِالسَّكِينَةِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ:

قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9] الْآيَةَ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي قِرَاءَتِهَا، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَأهَا: فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ. وَذَكَرَ قَتَادَةُ أَنَّ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَاقْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ.
1787- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَقَدْ تُوُفِّيَ عُمَرُ وَمَا يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْجُمُعَةِ إِلَّا: فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ.
1788- حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: ثنا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ لِعَاصِمِ بْنِ الْبَدْرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9]، فَقَالَ: كَانَ عَمُّكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقْرَؤُهَا: فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَكْثَرُ الْقُرَّاءِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي فِي الْمَصَاحِفِ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9]. وَمِمَّنْ كَانَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَعَوَامُّ الْقُرَّاءِ، وَهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ، فَلَا أَحْسَبُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي مَعْنَاهَا؛ لِأَنِّي لَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَاهُ السَّعْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالْعَدْوُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْمَعْنَى ثُبُوتُ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ السَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الصَّلَوَاتِ، وَدَخَلَتِ الْجُمُعَةُ فِي جُمَلِ الصَّلَوَاتِ وَعُمُومِهَا.
1789- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَلَكِنِ ائْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا».
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: السَّعْيُ يَا ابْنَ آدَمَ أَنْ تَسْعَى بِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ، وَهُوَ الْمُضِيُّ. وَقَالَ عَطَاءٌ: السَّعْيُ الذَّهَابُ الْمَشْيُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللهِ الْعَمَلُ، قَالَ اللهُ: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] الْآيَةَ. وَذَكَرَ مَالِكٌ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَخْبَارًا تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ يُقَالُ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَةِ السَّاعِي عَلَى الصَّدَقَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَالسَّعْيُ الَّذِي أَمَرَ اللهُ غَيْرُ السَّعْيِ الَّذِي نَهَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوِ اغْتَسَلَ، ثُمَّ بَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى فَدَنَا، فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَذَكَرَ الْمَشْيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَنَهَى عَنِ السَّعْيِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.